لعلك تسمع بمصطلح الايقاع اليومي لأول مرة وهو ما سمعت به سابقا بمصطلح الساعة البايولوجية ومن اهم حالاتها ما يحدث لك بعد انتهاء شهر رمضان فانت تواجه صعوبة في ضبط مواعيد النوم وقد تشعر للحظة ما بأن جسدك يحتاج إلى النوم وأنك لا تستطيع أن تقاوم هذه الحاجة، ولربما تساءلت يوماً عن سبب الشعور بالحاجة للنوم في الأوقات نفسها والاستيقاظ أيضاً في الأوقات نفسها دون منبه. إن السبب في ذلك يعود إلى وجود ساعة بايولوجية داخل جسمك تقوم بمهمة التنبيه. إن الساعة الداخلية في الجسم تنظم الإيقاعات اليومية (Circadian Rhythms)، حيث أن هذه الإيقاعات تتضمن التغيرات الجسدية والسلوكية وتبدل الحالة العقلية والتي تستمر لمدة 24 ساعة، وتستجيب بشكل أساسي للضوء والظلام في البيئة التي يتواجد فيها الكائن الحي.
الإيقاع اليومي أو الدورة اليومية هي ساعة طبيعية داخلية تنظم دورة النوم والاستيقاظ. يتكرر كل 24 ساعة تقريبًا. تتبع أنظمة الجسم المختلفة إيقاعات الساعة البيولوجية التي تتزامن مع الساعة الرئيسية في الدماغ. تتأثر هذه الساعة الرئيسية بشكل مباشر بالإشارات البيئية، وخاصة الضوء، وهذا هو سبب ارتباط إيقاعات الساعة البيولوجية بدورة النهار والليل. لقد وجد أن إيقاع الساعة البيولوجية يمكن أن يتأثر أيضًا بعوامل أخرى مثل درجة الحرارة المحيطة وأوقات الوجبات والإجهاد والتمارين الرياضية. إن الساعة البيولوجية الرئيسية تتواجد في الدماغ، وهي تتكون من آلاف الخلايا العصبية التي تساعد على مزامنة وظائف الجسم وأنشطته، أي تنظيم أنشطة الجسم في أوقات معينة، مثل، وظائف الجسم خلال ال 24 ساعة كالنوم والاستيقاظ، وكذلك الوظائف التي تستمر لأكثر من 24 ساعة مثل الدورة الشهرية عند النساء. فضلا عن التحكم في النوم والاستيقاظ فإن الساعة الداخلية في الجسم تتحكم بوظائف أخرى على مدار 24 ساعة مثل درجة حرارة الجسم وجهاز المناعة ووقت الشعور بالجوع. يلاحظ العديد من الأشخاص بأن هنالك اختلاف طبيعي في أوقات ومستويات النوم والاستيقاظ لديهم خلال اليوم. إن تنظيم عملية النوم تتم من خلال نظامين الأول هو توازن النوم والاستيقاظ (Sleep/wake Homeostasis) والثاني هو الساعة البيولوجية اليومية (Circadian Biological Clock). يعمل نظام توازن النوم والاستيقاظ على تنبيه الجسم إلى حاجته إلى النوم إذا استمر بالاستيقاظ لفترة زمنية طويلة، وهو يساعد أيضاً على الحفاظ على قسط كاف من النوم طوال الليل للتعويض عن ساعات الاستيقاظ.
بالمقابل، تعمل الساعة البيولوجية على تنظيم توقيت فترات النعاس واليقظة طوال اليوم، حيث أن الإيقاع اليومي ينخفض ويرتفع في فترات مختلفة خلال اليوم. تعمل الساعة البيولوجية أيضاً على تنبيه الإحساس باليقظة في أوقات معينة من اليوم، حتى لو كان الشخص نائماً لساعات طويلة وتحدث بعض التغييرات في إيقاع الساعة البيولوجية خلال فترة المراهقة، فقد يعاني معظم المراهقين من التأخر في أوقات النوم. هذا التحول في الإيقاع اليومي للمراهقين يجعلهم يشعرون باليقظة بشكل طبيعي في وقت متأخر من الليل، مما يجعل من الصعب عليهم النوم قبل الساعة 11:00 مساءً. يتم التحكم في الساعة البيولوجية بواسطة جزء من الدماغ يسمى نواة التأقلم (SCN)، وهي مجموعة من الخلايا العصبية في منطقة ما تحت المهاد تستجيب لإشارات الضوء والظلام وينتقل الضوء إلى نواة التأقلم (SCN) عبر العصب البصري للعين، مما يعطي الإشارة إلى الساعة الداخلية بأن الوقت قد حان للاستيقاظ. تبث نواة التأقلم الإشارات أيضاً إلى أجزاء أخرى من الدماغ والتي تتحكم في الهرمونات، ودرجة حرارة الجسم، والوظائف الأخرى التي تؤدي دوراً في جعلنا نشعر بالنعاس أو اليقظة. مثلاً في الصباح، مع التعرض للضوء، ترسل نواة التأقلم إشارات مثل رفع درجة حرارة الجسم وإنتاج هرمونات مثل الكورتيزول وتأخير إفراز الهرمونات مثل الميلاتونين، والذي يرتبط ببدء النوم ويتم إنتاجه بحلول الظلام. ترتفع مستويات الميلاتونين في المساء وتبقى مرتفعة طوال الليل، مما يعزز النوم. وهنا اود ان اوضح للقارئ الكريم عندما ترتفع مستويات الميلاتونين في الدم عند المراهقين بشكل طبيعي في وقت متأخر من الليل مقارنة بالمراحل العمرية الأخرى.
ولذلك قد يواجهون صعوبة في النوم مبكراً. يمكن مساعدتهم في الحصول على قسط كافٍ من النوم من خلال إبقاء الأضواء خافتة في الليل مع اقتراب موعد النوم والتعرض للضوء الساطع في ساعات الصباح الباكر. يؤدي إيقاع الساعة البيولوجية دورًا مهمًا في تنظيم دورة النوم والاستيقاظ. يتحكم في إنتاج الميلاتونين، وهو هرمون يعزز النوم، والذي يرتفع في المساء (يدفعنا إلى الشعور بالنعاس) وينخفض في الصباح. يمكن أن تؤدي الاضطرابات في هذا الإيقاع إلى صعوبة في النوم أو البقاء نائمًا أو الاستيقاظ. يمكن لعوامل مختلفة أن تعطل إيقاعات الساعة البيولوجية. يشمل ذلك التعرض للضوء أثناء الليل (بما في ذلك استخدام الأجهزة الإلكترونية)، والعمل بنظام الخفارات، والسفر عبر المناطق الزمنية (مما يؤدي إلى اضطراب الرحلات الجوية الطويلة)، وبعض الأدوية، وعوامل نمط الحياة مثل أنماط النوم والأكل غير المنتظمة. قد تؤدي الشيخوخة وبعض الظروف الصحية أيضًا إلى تعطيل إيقاع الساعة البيولوجية. تتضمن إعادة ضبط إيقاعك اليومي إعادة إنشاء جدول نوم منتظم وتعريض نفسك للضوء الطبيعي أثناء النهار، مع الحد من التعرض للضوء في الليل.
يمكن أن يساعد أيضًا النشاط البدني المنتظم، وأوقات الوجبات المتسقة، وتقليل الكافيين في بعض الحالات، قد يوصي الأطباء بالعلاج بالضوء أو الميلاتونين أو علاجات أخرى. تشمل العلامات التي تدل على أن إيقاعك اليومي قد يكون متوقفًا، صعوبة النوم أو الاستيقاظ، والشعور بالتعب أثناء النهار، والاستيقاظ والانتباه في وقت متأخر من الليل. يمكن أن تشمل الأعراض الأخرى تغيرات في الشهية أو الهضم، وتغيرات الحالة المزاجية، وصعوبة التركيز أو التذكر. في الختام، يتوجب عليك اخي القارئ المحافظة على صحتك التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالساعة البايولوجية وتذكر دائما بان العقل السليم في الجسم السليم الذي يسيطر على تنظيم ساعته البايولوجية.